Senin, 25 Februari 2013

الــــــــرحلة في طلب العلم


(النّص الثالث عشر)
القضية الثانية: " وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً " وورد أن هذا الغلام طُبع يوم طبع كافراً، وكان أبواه مؤمنين، فخشي الخضر أن يحملهما حُّبه على متابعته على الكفر. قال قتادة: قد فرح به أبواه حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرض كل امرئٍ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحبّ قال تعالى : "وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ "، ثم علل الخضر قتله بقول: "فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً " أي ولداً أزكى من هذا الغلام وهما أرحم به منه، وقيل: لما قتله الخضر كانت أمه حاملاً بغلام مسلم.

(النّص الرابع عشر)
القضية الثالثة: "وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً " يقول الخضر: إن هذا الجدار إنما أصلحته لأنه كان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما، فلو سقط الجدار لظهر هذا الكنز ولأخذه الناس، فهذا من حفظ الله عزَّ وجلَّ لأبناء العبد الصالح بعد وفاته، ولذلك قال الخضر: "وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً" فانظر إلى تقدير رب العزة سبحانه وتعالى كيف حفظ هؤلاء الأبناء بصلاح أبيهم، وفي الغالب أن الأب إذا كان صالحاً كانت ذريته كذلك، وإذا كان فاجراً غلب على ذريته الفجور والفسق. " فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا" وهنا أسند الإرادة إلى الله عزَّ وجلَّ تأدباً مع الله عزَّ وجلَّ حيث أسند ما هو خير محض إلى الله عزَّ وجلَّ وكذلك بلوغ الغلامين الْحُلُم لا يقدر عليه إلا الله عزَّ وجلَّ أما في مسألة السفينة، فقال: "فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا" فنسب الإرادة إلى نفسه لأن ظاهر الفعل الفساد، وإن كان حقيقته غير ذلك.
ثم بيَّن الخضر بعد ذلك أنه ليس له من الأمر شيء، فقال: "رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي" إن هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة، ووالدي الغلام، والغلامين اليتيمين، وما فعلته من أمري ولكني أُمرت به ووقفتُ عليه، "ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً " أي تفسير ما ضقتَ به ذرعاً ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداءً.

(النّص الخامس عشر)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُوْنَ............
هَذِهِ هِيَ الرِّحْلَةُ، الَّتِي اِرْتَحَلَهَا مُوْسَى - عَلَيْه السّلام - لِطَلَبِ الْعِلْمِ، بَاحِثاً عَنْ الْمَعْرِفَةِ، طَالِباً لِلْحِكْمَةِ، فَهَلَّا حَرِصْنَا عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ، وَحُضُوْرِ مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ، وهَلَّا اجْتَهَدْنَا فِي التَّفَقُّهِ فِي الدِّيْنِ، وَالْإِسْتِرْشَادِ بِأَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأُمَّةِ الَّذِيْنَ هُمْ أَهْلُ الْحِلِّ وَالْعَقْدِ عِنْدَ الْمُسْلِمِيْنَ.عِبَادَ اللهِ...............!
وصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ، بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
وَقَدْ قَالَصَلَى اللهُ عَلَيْه وسلَّم "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً "
الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَى نَبِيِّكَ وَحَبِيْبِكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوَاَعْرِضْ عَلَيْهِ صَلَاتَنَا وَسَلاَمَنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ الْمُبَارَكَةِ يَا رَبَّ الْعَالَمِيْنَ.
وَارْضَ الَّلهُمَّ عَلَى أَصْحَابِهِ الْأطَهَارِ، مِنَ الْمُهَاجِرِيْنَ وَالْأَنْصَارِ، وَعَنِ التَّابِعِيْنَ وَتَابِعِيْهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ ومِنْكَ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِيْنَ.


الــــــــرحلة في طلب العلم


(النّص السابع)
خرج موسى والخضر، عليهما السلام، من السفينة وبينما هما يمشيان على الساحل إِذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان، فتقدَّم إليه وصرعه على الأرض ثم أخذ رأسه فاقتلعه بيده فقتله، فصرخ موسى: "أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً"، أتقتل نفساً صغيرة لم تعمل إثماً قط بغير مستندٍ لقتلها، إن هذا الأمر منكر ظاهر النكارة، فما كان من الخضر عليه السلام، إلا أن أعاد عليه الشرط الذي بينهما "قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً" فأتى بالجار والمجرور تأكيداً على التذكار بالشرط الأول، فاستحى موسى عليه السلام، مرة ثانية وقال في هذه المرة: "إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً "، أي إن اعترضت عليك بشيء بعد هذه المرة فلا تصاحبني بعدها، لأنك قد أعذرت إليَّ مرة بعد مرة، وهذه الثانية.
وتبدأ القضية الثالثة وفيها يقول الحق تبارك وتعالى : "فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا" مرَّ موسى والخضر على قرية بخيلة لا تطعم ضيفاً ولا تسقي ظمآناً، ولا ترحب بوافدٍ، ومن شدة بخل هذه القرية أن طلب موسى والخضر الطعام فأبوا وهذا من أعظم اللؤم وأشد درجات البخل:

(النّص الثامن)
امتنعت بيوت هذه القرية أن تضيف هذين الرجلين الصالحين: "فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ" نزلا في مكان، في سكة من السكك، فوجدا جداراً مائلاً يكاد أن يسقط، فرده الخضر إلى حاله من الاستقامة، فعند ذلك قال له موسى عليه السلام: "لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً " إن هذه القرية أبت أن تضيفنا، فلا هم أطعمونا ولا سقونا ولا آوونا، ثم تأتي أنت فتبني جدارها مجاناً بدون أجر أما الذين أركبونا في سفينتهم بلا عطية ولا أجر فكان جزاؤهم أن عمدت إلى تخريب سفينتهم، فقال له الخضر: "هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ" لأنك شرطت عند قتل الغلام أنك إن سألتني عن شيء بعدها فلا تصاحبني فهذا فراق بيني وبينك: "سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً " سوف أخبرك بتفسير ما أنكرته عليَّ من أمور لتعلم أن هناك حكماً باطنة لا تعلمها أنت، قد أطلعني الله  عزَّ وجلَّ عليها

(النّص التاسع)
وقبل أن نستمع إلى الخضر وهو يشرح لموسى عليه السلام ما أشكل عليه من أمور وتصرفات، يحسن بنا أن نعيش بعض الدروس المستفادة من هذه القصة:
 الدرس الأول: موسى عليه السلام، على جلالته وعلو قدره يترك موطنه وقومه، ويذهب في رحلة طويلة لتعلم العلم النافع على الخضر، مع أن موسى عليه السلام، أفضل من الخضر بلا شك.
الدرس الثاني: العلم هو قال الله تعالىوقال رسول الله صلى الله عليه وسلموأي مصنَّف يخلو من كلام الله عزَّ وجلَّ وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فضرره أكثر من نفعه، لأنه يفتقد إلى نور الكتاب والسنة.
 الدرس الثالث: ما موقفنا نحن كأمة رائدة مكلفة بقيادة البشرية نحو معالم التوحيد والإيمان، فالكتب قد طبعت في أفخر الطبعات، والأحاديث حققت، وصنعت الفهارس العلمية التي وفرت على الباحث زماناً طويلاً، كان يستغرقه في البحث عن مسألة أو حديث، فليس لدينا عذر في عدم الإقبال على العلم الشرعي، وسوف يسألنا الله تبارك وتعالىعن تضييع زماننا وأوقاتنا في غير طلب العلم والرحلة في سبيله.

الــــــــرحلة في طلب العلم


(النّص الخامس)
وَوَصَفَ اللهُ عزَّ وجلَّ الخَضِرَ بِأَنَّهُ آتَاهُ الرَّحْمَةَ وَعَلَّمَهُ الْعِلْمَ، وَهَذِهِ هي الغَايَةُ الَّتِي لاَيُدْرِكُهَا إلاَّ الْقَلِيْلُ، فَعِلْمٌ بلا رحمةٍ قَسْوَةٌ وَجبرُوْتٌ، ورحمةٌ بِلاَ عِلْمٍ جَهْلٌ وتَرَدِّدٌ، فجمع اللهُ للخضر الاثنين؛ الرَّحمةُ والْعِلْمُ، ليكونَ قدوةً لِمُوْسَى عليه السّلام، قال له موسى: "هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً ؟"، سُؤَالٌ تَلَطُّفٌ لاَ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزاَمِ، وهذا مِنْ حُسْنِ أَدَبِهِ، عليه السلام، حيث أَنْزَلَ نَفْسُهُ مَنْزِلَةَ التِّلْمِيْذِ الَّذِيْ يُرِيْدُ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ أُسْتَاذِهِ، فقالَ الخَضِرُ: "إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً " مَعَ أنَّهُ يَعْرِف ُقُوَةُ مُوْسَى عليه السّلام، وشِدَّةَ عَزِيْمَتِهِ في طَلَبِهِ الْعِلْمِ، ثُمَّ قال لَهُ: "وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً " فأناَ أعْرِفُ أنَّكَ سَوْفَ تُنْكِرُ عَليَّ مَا أَنْتَ مَعْذُوْرٌ فِيْهِ، لأنَّكَ لَمْ تَطْلِعْ عَلَى حِكْمَتِهِ ومَصْلَحَتِهِ الْبَاطِنِةِ الَّتي اطَّلَعَتُ عَلَيْها أنَا دُونَك، فَرَدَّ مُوسى عليه السَّلام: " قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِراً   وَلاَ   أَعْصِي لَكَ أَمْراً " سَوْفَ أَصْبِرُ عَلَى ما أَرَى مِنْكَ مِنْ أُمُوْرٍ وَلَنْ أُخَالِفَكَ فِي شَيْءٍ أَبَداً فعند ذلك شَارَطَهُ الخَضِرُ عليه السلام: " قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً " ، إَيَّاكَ أَنْ تَسْأَلَنِيْ عَنْ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ أَبْدَأَكَ أَنَا بِهِ، فَاتَّفَقَا عَلَى ذلك، وانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحلِ الْبَحْرِ حَتَّى بَلَغَا مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ، وَمَرَّ عُصْفُوْرٌ فَنَزَلَ حَتّى شَرِبَ مِنَ الْمَاءِ، ثُم انْطَلَقَ فَقَالَ الخَضِرُ لموسَى عليهما السلام: كمْ تَرَى هَذَا الْعُصْفُوْرُ نَقَصَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ؟ فأجَابَ مُوْسَى: ماَ أَقَلَّ مَا نَقَصَ!! فقال الْخَضِرُ: يَا مُوْسَى فإِنَّ عِلْمِيْ وَعِلْمَكَ فِي عِلْمِ اللهِ كَقَدْرِ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُوْرُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ.

(النّص السادس)
وبَيْنَمَاهُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، إذ مرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر بنوره ووقاره فحملوهم بغير أجرٍ، فركبوا في السفينة، فكان أول ما فعل الخضر أن بدأ يقلع في ألواح السفينة مما يعرضها للغرق، فاندهش موسى عليه السلام، وقال منكراً عليه: " أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا ؟ "  مع أنهم حملونا بغير نول "لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ؟" ، شيئاً عجباً، فاعترض موسى عليه السلام؛ لأنه ما كان ليسكت على هذا الأمر المخالف لشريعته، ولكن الخضر عليه السلام ذكره بالشرط الذي بينهما: " أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً " لأن ما فعلته من الأمور التي اشترطت عليك ألا تنكر عليَّ فيها، وهو أيضاً من الأمور التي تحتوي على مصلحة لم تعلمها أنت ولم تحط بها خبراً. فقال موسى مستحياً "لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ   وَلاَ   تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً " أي لا تُضيّقْ عليَّ ولا تشدد عليَّ وقد ورد أن هذه المرة كانت من موسى عليه السلام، نسياناً.

الــــــــرحلة في طلب العلم


(النّص الرابع)
وَلِنَسْتَمِعِ الْآنَ إلى الْقِصَّةِ الرَّائِعَةِ الَّتِي سَاقَهَا رَبُّنَا تَبَارَكَ وَ تَعَالى في كِتَابِه، فَفِيْهَا الْعِبْرةُ، وَ فِيْهَا الْعِظَةُ، وَ فِيْهَا الدُّرُوْسُ الْعَظِيْمَةُ وَ الْمَوَاقِفُ الْجَلِيْلَةُ.
مُوسى الآنَ يُغِادِرُ أَرضَ بَنِي إِسْرَائِيْلَ مِنْ فَلسْطِيْنَ لِيركبَ الْبَحْرَ بَعْدَ أَنَ أَلْقَى فِيْهِمْ خُطْبَةً عَظِيْمَةً وَ بَعْدَ أَنْ انْتَهَى قَالَ لَهُ أَحَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ: يَا مُوسَى: هَلْ تَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ لَا أَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمُ مِنِّي، وَقَدْ صَدَّقَ عَلَيهِ السَّلاَمُ فَهُوَ نَبِيُّ اللهِ وَ رَسُوْلُهُ، وَ هُوَ لَا يَعْلَمُأَحَداً أَعْلَمَ مِنْهُ، وَلكِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ عَاتَبَهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَ قَالَ لَهُ: يَا مُوْسَى: الخَضِرُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَعْلَمُ مِنْكَ فَارْحَلْ إِلَيْهِ وَ تَزَوَّدْ مِنْهُ عِلْماً إلى عِلْمِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ!كَيْفَ أَعْرِفُهُ إِذَا لَقِيْتُهُ ؟ قال: "يَا مُوْسَى خُذْ حُوْتاً وَ اجْعَلْهُ في مَكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَ الْحُوْتَ فَقَدْ لَقِيْتَ الخَضِرَ، فَأَخَذَ مُوْسَى حُوْتاً مَمْلُوْحاً وَ جَعَلَهُ فِي مَكْتَلٍ وَ أَخَذَ غُلاَمُهُ يُوْشَعَ بْنُنُوْنٍ يَحْمِلُ مَعَهُ الْغَذَاءَ في السَّفَرِ، فَسَارَا طَوِيْلاً وَشَقَّ عَليهما السَّيْرُ فَعِنْدَئِذٍ قَالَ مُوسى لِفَتَاهُ: "لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً" أيْ لاَ أَزَالُ سَائِراً إِلى مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي سَوْفَ أَجِدُ فِيْهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي، حَتَّى وَلَوْ سِرْتَ حَقْباً مِنَ الزَّمَانِ. "فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي البَحْرِ سَرَباً".
سَارَ مُوسَى وَ فَتَاهُ حَتَّى بَلَغَا مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ فَنَامَ مُوسى وَ فَتَاهُ مِنْ شِدَّةِ التَّعَبِ وَ الْإِرْهَاقِ، أمَّا الْحُوْتُ فَقَدْ أَصَابَهُ رَشَاشٌ مِنْ مَاءِ عَيْنٍ هُنَاكَ تُسَمَّى عَيْنَ الْحَيَاةِ فَاضْطَرَبَ وَ انْتَفَضَ وَ قَفَزَ مِنَ الْمَكْتَلِ إلى الْبَحْرِ، فَاسْتَيْقَظَ يُوْشَعُ عَليه السلامُ، وَ سَقَطَ الْحُوْتُ في الْبَحْرِ فَجَعَلَ يَسِيْرُ في الْمَاءِ وَ هُوَ يَنْظُرُ إِلَيْه "فَلَمَّا جَاوَزَا " أي الْمَكَان الَّذِي نَسِيَا الْحُوْتَ فِيه "قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا" أي تعباً، فَقَدْ تَعِبَ عليه السلام، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِيْحَ قَلِيْلاً حَتَّى يَسْتَمِرَّ في مُوَاصَلَةِ الرَّحْلَةِ الْمُضْنِيَةِ قَالَ يُوشَعُ "أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ   وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ   وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي البَحْرِ عَجَباً" فَلَا طَعَامَ وَ لَا غِذاءَ، فَالْحُوْتُ الْمَيِّتُ قَدْ تَحَرَّكَ وَ انْطَلَقَ إلى سَبِيلِهِ في مَشْهَدٍ عَجِيْبٍ "قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ" أي هَذَا الَّذِي نَطْلُبُ "فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً" أي رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارِ مَشِيْهِمَا وَ يَقِفَان أَثَرهما،" فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا   وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً" وَ هَذا الْعَبْدُ هو الخضرُ عليه السّلام وَجَدَهُ مُوْسى عليه السلام عِنْدَ الصَّخْرَةِ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، فَسلَّمَ عَليهِ فقال الخضر: وإِنِّى بِأَرْضِكَ السَّلامِ. فقال: أَنَا مُوْسَى، فقال: مُوْسُى بني إسرائيل؟ قال: نعمْ، قد أتيتُك لِتُعَلِّمَنِيْ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً.

الــــــــرحلة في طلب العلم


(النص الأوّل)
يقصّ الله علينا قصّة موسى عليه السّلام و هو يرتحل في البحر ليلقى الخضر عليه السّلام، فيتعلّم منه علما، ماكان له أن يعلمه لولا أن وفّقه الله لسلوك السّبيل الصّحيح الموصل إلى هذا العلم، فلسان حال هذه القصّة يقول: هكذا فليكن طلب العلم .رحلة طويلة، عناء و مشقّة، بحث متواصل، نفس طويل و عزيمة قويّة، بصر حادّ و رؤية فاحصة.و إذا كان موسى عليْه السّلام عَلى سموّ قدره و رفعة مكانته يحرص على طلب العلم، فما بالنا نحن الضّعفاء المحاويج الجهلة نفرط في طلب العلم و لا نسْلك السّبل الموصلة إليه.

(النص الثاني)
يشير الإمام البخاري في الصّحيح إلى هذه القصّة و إلى هذه الرّحلة فيقول: باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر عليهما السّلام، ثمّيشير الإمام البخاري رحمه اللهإلى هذه القصّة و إلى سببها فروي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه تمارى هو و الحرّ بن قيس بن حصن الفزاريّ في صاحب موسى فقال ابن عبّاس: هو خضر، فمرّ بهما أبيّ بن كعب فدعاه ابن عبّاس فقال: إنّي تماريت أنا و صاحبي هذا في صاحب موسى الّذي سَأل موسى السّبيل إلى لقيّه هل سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّميذكرشأنه؟ قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله إلى موسى: بلى عبدنا خضر، فسأل موسى السّبيل إليه، فجعل الله له الحوت آية و قيل له: إذا فقدت الحوت فارجع فإنّك ستلقاه". إلى أن لقيه و كان من أمره ما كان.

(النّص الثالث)
قصّة عجيبة يتجلّى فيها شرف الرّحلة في طلب العلم، وفضل العلم الّذي يضحّى في سبيله بكلّ نفيس و غال.و لقد عرف السّلف الصّالح هذا الفضل فسهروا اللّيالي الطّويلة و أنفقوا الأعمار النّفيسة، لأنّ العلمبعد الهداية شرف ما بعده شرف، و عبادة من أجلّ العبادات.رحل الصّحابي الجليل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى مصر إلى مدينة العريش ليكتسب حديثا واحدا من عبد الله بن أنيسرضي الله عنه. و رحل الإمام أحمد شهرين كاملين من بغداددار السّلامإلى صنعاء اليمن ليأخذ عشرة أحاديث.قال سعيد بن المسيّب: والله الّذي لا إله إلّا هو إنّي كنت أرحل الأيّام الطّوال لحديث واحد.
فيا أيّتها الأمّة الواعية... و يا أيّها الشّباب الرّائد... هكذا يطلب العلم، و هذا طريق طلبه الصّحيح.